أحوال الموحدين

تغييب ممثّلي السويداء عن الاجتماع الأممي.. سلطة الجولاني المؤقتة تعزز سرديتها

تقرير تحليلي صادر عن مركز المشكاة للدراسات والتوثيق

شهدت دمشق زيارة غير مسبوقة لوفد ضم ممثلي الدول الأعضاء في مجلس الأمن الدولي، وفي تحرّك هو الأول من نوعه داخل سوريا منذ عقود، وقد خُصِّص جزء من برنامج الزيارة للقاء وفود قُدّمت باعتبارها “من المجتمع المدني” في المناطق المتضررة، ومن بينها محافظة السويداء التي تمرّ بمرحلة حساسة بعد مجزرة تموز والانتهاكات اللاحقة لها.

إلا أنّ ظهور وفد مكوّن من ثلاثة أشخاص (مع الاحترام لأشخاصهم) بصفة “ممثّلي السويداء” أعاد طرح أسئلة عميقة حول غياب التفويض المحلي، وواقع الفراغ السياسي الذي تعيشه المحافظة، وكيف نجحت السلطة المؤقتة بدمشق في ملء هذا الفراغ بما يخدم سرديتها أمام المجتمع الدولي.

أولاً: خلفية الزيارة الأممية وطبيعتها السياسية

1. إعادة هندسة شرعية السلطة المؤقتة بدمشق

تشير التغطيات الدولية إلى أن الزيارة هدفت إلى:

إظهار توافق دولي حول “سوريا الجديدة”.

تعزيز موقع الرئيس أحمد الشرع في ملفات الأمن والحدود وإعادة الإعمار.

تقديم دعم سياسي لمسار التطبيع مع السلطة المؤقتة بدمشق.

وبذلك تبدو الزيارة جزءًا من إعادة هندسة صورة المركز أمام المجتمع الدولي.

2. دمج أصوات المحافظات ضمن بروتوكول السلطة

استُقبلت الوفود داخل قصر الرئاسة، ما يعني أن كل الروايات المحلية عُرضت عبر الإطار الذي صاغته السلطة المؤقتة بدمشق، لا عبر قنوات تمثيل محلية داخل السويداء أو خارجها.

وهذا يرسخ مركزية القرار ويُضعف التنوع الحقيقي في المطالب.

ثانياً: الوفد الذي شارك باسم السويداء – الإطار المؤسسي للمشاركة

1. اختيار منظم من قبل السلطة، لا مساراً تشاورياً من داخل المحافظة

تُظهر المعطيات أن الوفد لم يُنتخب أو يُفوض محليًا، بل جرى اختياره وتنسيق حضوره ضمن إطار رسمي أعدّته السلطة المؤقتة بدمشق، شمل التواصل مع الأفراد، تسهيل تنقلهم، وإدراجهم في البروتوكول الرسمي.

2. مشاركة بلا تفويض محلي

لم تصدر أي عملية تفويض من المرجعية الروحية، أو القوى السياسية، أو مجتمع الضحايا في السويداء، ما يجعل المشاركة جهدًا فرديًا دمجته السلطة في إطارها الرسمي.

3. ضرورة التمييز بين الجهد الحقوقي والتمثيل السياسي

الجهود التوثيقية مهمة، لكنها لا تمثل السويداء سياسيًا في ملف بهذه الحساسية.

ثالثاً: غياب الشرعية التمثيلية وتداعياته

1. شرعية تمثيلية منقوصة

قضية السويداء بعد مجزرة تموز قضية سياسية–اجتماعية عميقة، ولا يمكن التعبير عنها دون إشراك مرجعياتها الأساسية.

2. توظيف المشاركة ضمن سردية المركز

أدى إدراج الوفد ضمن البروتوكول الرئاسي إلى تقديم مشاركته بوصفها جزءًا من “التفاعل الرسمي مع المناطق”، ما يعزز سردية السلطة المؤقتة بدمشق لا سردية الجبل.

رابعاً: تغييب مطلب اللامركزية السياسية والإدارة الذاتية

1. مطلب أساسي غاب بالكامل

يُعدّ مطلب اللامركزية السياسية أو الإدارة الذاتية من أهم مطالب المجتمع في السويداء لضمان الحماية والاستقرار وإدارة الموارد.
لكنّ الخطاب الذي قُدم لوفد مجلس الأمن تجاوز هذا المطلب تمامًا.

2. توافق غير معلن مع رؤية السلطة المؤقتة

يتماشى هذا التجاهل مع رفض السلطة المؤقتة بدمشق لأي نقاش حول اللامركزية، مما يجعل الخطاب المقدم غير معبّر عن أولويات الجبل.

3. النتائج

تقزيم قضية السويداء إلى ملف إنساني فقط.

إضعاف القدرة على إيصال أولويات الجبل.

تعزيز السردية المركزية.

خامساً: الآثار السياسية على الملف الدرزي

1. مستقبل الحماية

غياب التمثيل الشرعي وتجاهل اللامركزية يُضعف قدرة المجتمع الدولي على فهم احتياجات السويداء.

2. رواية الضحايا

دمج ملف المجزرة داخل بروتوكول السلطة المؤقتة يضعف استقلالية رواية الجبل.

3. التمثيل السياسي

المشاركة قد تُستخدم كسابقة لاعتماد وفود غير مفوضة مستقبلًا، ما يعمّق الفراغ السياسي.

سادساً: توصيات مركز المشكاة

1. إطار تمثيلي شرعي للسويداء

يضم المرجعية الروحية والقوى السياسية والمدنية.

2. تثبيت مطلب اللامركزية السياسية كشرط أساسي

يجب أن يظهر هذا المطلب في كل المحافل الدولية.

3. إعداد نموذج محلي للحكم اللامركزي

عبر لجنة فنية–مجتمعية تضع خارطة طريق للإدارة الذاتية أو اللامركزية الموسعة.

4. لجنة مستقلة لتوثيق الانتهاكات

بإشراف دولي يضمن استقلالية ملف الضحايا.

5. توحيد المعايير السياسية داخليًا

لمنع تكرار فجوات التمثيل.

خاتمة
تكشف زيارة وفد مجلس الأمن ليس فقط عن أهمية الملف الدرزي، بل عن الفراغ السياسي الذي تعيشه السويداء، وكيف نجحت السلطة المؤقتة بدمشق في ملئه عبر وفود لا تحمل تفويضًا محليًا.
كما يظهر تغييب مطلب اللامركزية— المطلب الجوهري للسويداء—كمؤشّر على محاولة إعادة صياغة القضية ضمن إطار يخدم المركز على حساب المجتمع المحلي.

إن مستقبل الجبل يقوم على ثلاثة أعمدة:

التمثيل الشرعي – اللامركزية السياسية – وضمانات الحماية

ولا يمكن لأي معالجة تتجاوزها أن تؤسس لاستقرار حقيقي في السويداء.

أحوال

موقع أخباري يصدر عن شركة مدنية غير ربحية في بيروت، يقدم من خلال مساحة رقمية حرة وعصرية أخبارًا سريعة، عظيمة الثقة، لافتةً للنظر، ثريةً، وتفسيرًا للاتجاهات الحالية والمستقبلية، التي تؤثر في أحوال الناس.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى